صياغة الذهب في الشرقية بين التراث والحداثة

تُعد الحُلي الذهبية والمجوهرات من أبرز ما يستهوي النساء عبر العصور، لما تضفيه من جمال ورونق وأناقة، فلا تخلو خزائنهن من الخواتم، الأساور، الأقراط والعقود التي يقتنينها أو يهدينها للأحبة. وفي المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية، لم تكن هذه القطع مجرّد زينة، بل انعكاسًا لإرثٍ عريق من حرفة صياغة الذهب، التي احترفتها عائلات في محافظتي الأحساء والقطيف على مدى قرون.

حرفة الأجداد.. ذهب يُشكَّل على الجمر

عرفت المنطقة الشرقية منذ مئات السنين بإتقانها للعديد من الحرف اليدوية، لكن صياغة الذهب والمجوهرات كانت من أبرز تلك الحرف، حيث لعبت دورًا محوريًا في تحريك العجلة التجارية والاقتصادية في المنطقة. ومع دخول المملكة مرحلة النمو الاقتصادي، شهدت هذه المهنة تحولات عدة، فبينما غادرها البعض نحو الوظائف أو التجارة، بقي جزء من أبناء هذه العائلات متمسكًا بجذوره الحِرَفية، يواصل إرث الأجداد ويطوّره وفق متطلبات العصر.

في هذا السياق، أجرت وكالة الأنباء السعودية "واس" لقاءً مع محمد علي الحمد، الرئيس الأسبق للجنة الذهب والمجوهرات في غرفة تجارة الشرقية، والمنتمي إلى عائلة ارتبط اسمها بهذه الصناعة. أشار الحمد إلى أن بداياته تعود إلى الطفولة، حيث تعلّم المهنة على يد والده وجده، الذين كانوا يشكّلون الذهب بأدوات بسيطة وطرق بدائية، لكنها أنتجت حليًا فريدة ذات طابع تراثي مميز.

موازين يدوية وثقة مطلقة

أوضح الحمد أن الصائغ في الماضي لم يكن مجرد صانع، بل كان تاجرًا بالفطرة، يستقبل الزبائن في متجره، يبيع لهم المشغولات أو يعيد صياغة ما يجلبونه من ذهب وفضة. وغالبًا ما كان بعض الصاغة يتنقّلون بين القرى على الأقدام أو بوسائل نقل قديمة، يشترون الذهب المستعمل و"زري البشوت" (الخيوط المطرزة بالذهب)، ويعتمدون على موازين يدوية ومعايير تقليدية مثل الجنيه والريال الفضة، قبل أن يُعتمد الجرام كوحدة رسمية.

وذكر الحمد أنه في شبابه كان يرافق والده لشراء سبيكة ذهبية من عشرة تولات (نحو 116 جرامًا) مقابل 600 ريال، وهو مبلغ لم يكن يُعد زهيدًا آنذاك. واستعرض مراحل الصياغة القديمة التي تبدأ بصهر الذهب في "الكوبجة" (البوتقة) فوق الجمر باستخدام منفاخ جلدي، ثم طرقه وتشكيله بواسطة المطرقة والصندالة، والتي تعتبر من الأدوات الأساسية للصائغ، مؤكدًا وجود وثيقة شرعية تعود لأكثر من 200 عام توثق بيع "صندالة"، ما يعكس أهميتها حينها.

من الورش التقليدية إلى المصانع الحديثة

مع تطور المملكة، اتجه العديد من الحرفيين إلى العمل التجاري أو الصناعي، فافتتحوا محلات وورش ومصانع، بينما التحق آخرون بوظائف حكومية. أما الجيل الجديد، فبات يجمع بين الموهبة والتعليم، كما هو حال المهندس جعفر بن أحمد الناصر، الذي رغم دراسته للهندسة الكهربائية في الولايات المتحدة، آثر مواصلة مسيرة أسرته في صناعة الذهب، وأنشأ مصنعًا حديثًا مجهزًا بأحدث التقنيات.

تطلعات الزبائن وتحديات المصممين

يشير الناصر إلى أن الانفتاح الثقافي ساهم في ازدياد طلب الزبائن على التصاميم المبتكرة والفريدة، مما فرض على المصممين تحديًا دائمًا للابتكار. كما أن ارتفاع أسعار الذهب شكّل ضغطًا على المنتجين، حيث باتوا يسعون إلى تصنيع حُلي أنيقة بأوزان خفيفة لتناسب القدرة الشرائية، من دون التنازل عن جمال التصميم أو جودته.

إرثٌ باقٍ ومستقبلٌ متجدّد

بين المطرقة القديمة وآلات الليزر الحديثة، تبقى صياغة الذهب في الشرقية مهنةً تحمل بين طيّاتها تاريخًا من المهارة والفن، وتستشرف مستقبلًا من الإبداع والابتكار. وما بين أيدٍ تصوغ الحُلي في ورشة تراثية وأخرى تضبط مقاسات التصاميم بأجهزة رقمية، تستمر الحكاية.. ذهبٌ لا يصدأ، بل يتجدّد.

صياغة الذهب في الشرقية.. مهنة تتوارثها الأجيال وتواكب الحداثة

حرفة الأجداد.. ذهب يُشكَّل على الجمر

موازين يدوية وثقة مطلقة

من الورش التقليدية إلى المصانع الحديثة

تطلعات الزبائن وتحديات المصممين

إرثٌ باقٍ ومستقبلٌ متجدّد

أخبار السعودية

الجامعة الإسلامية تطلق 9 مبادرات بحثية لتعزيز الابتكار والتأثير العلمي العالمي

"دليل المُصلي" منصة رقمية تعزز تجربة القاصدين للحرمين الشريفين روحانيًا

الهيئة العامة للنقل تحصد شهادة آيزو 20000 لخدمات تكنولوجيا المعلومات

وزير الحج والعمرة يطمئن على سلامة الحجاج الإيرانيين ويؤكد انسيابية مغادرتهم

"ڤايبز العُلا" يفتح باب التقديم لمسرعة أعمال "رواد العُلا" بنسختها الجديدة

المملكة تشارك بوفد رفيع في معرض باريس الجوي لتعزيز قطاع الطيران